كلمات متقاطعة
![]() |
كلمات متقاطعة
في يومٍ من أيام الشتاء،أحضر المزارع
صابر أعواد الثقاب ليشعل المدفأة من ركام الحطب.كانت زخات المطر هي من أيفظت بردوته،وصخب
الرعد هو من أزعج أحلامه،أما عن تلك الغيوم السوداء هي من زادت ظلمةغرفته.حدّق نحو
عقرب الساعة ليتذكر أن عليه جني المحصول.
تّرٌنح صابر على كرسي الهزاز حاملاً
كوب الشاي الساخن.تثائب عدة مرات لينفض النعاس من عينيه.التفت يميناً على تلك
الطاولة الصغيرة.كانت الصحيفة اليومية تنتظر عيناه بأن يقرأها:
يا إلهي!كدت أنسى حل الكلمات
المتقاطعة.فهي الوحيدة التي تنعش ذاكرتي.
قلّب صابر أوراق الصحيفة تلو الأخرى
إلا ان الورقة التي يبحث عنها مقصوصة.فكرّ مليّاً بالفاعل فلم يعطي للأمر أهمية:
على ما يبدو،ان الثور الذي يحرث هو
من قام بقصها.ههه
أكمل صابر كوب الشاي مع فطيرة الجبن.كان
صوتاً من حافة النافذة يطرق له.فتحها صارخاً :
من الطارق في هذا الجو العاصف؟!
كان الغراب هو الطارق حاملاً بمنقاره
ورقة مطوية.التقط صابر الورقة حين أدرك أن الغراب جاداً بقدومه.فتحها ليعلم انها
قصاصة الكلمات المتقاطعة:
يا فرحتي.يومي اكتمل بهذه اللعبة.
كادت عيناه تنهمر دموعاً من شدة
سروره.بدأ بقراءة الاسئلة ليفكر كثيراً بالإجابة:
حسناً،مهنة بحرف ف..من المؤكد
فلاح..أفقي
امممم...فاكهة بحرف ب..بطيخ..عمودي
جميل جداً..كم أنت بارع يا
صابر..الكلمة هي الأرض.
تعجب صابر من كلمة الأرض التي ترافقه أينما ذهب.غرق
في التفكير لأن الأرض تعني له الكثير:
بالنسبة الى هذه الأرض،حقيقة انها لم
تعد تجدي نفعاً.ماذا لو بعتها وجنيتُ المال لأعيش في المدينة!؟ هناك حياةٌ جميلة
مليئة بالراحة.بالمدينة التطور التكنولوجي، حتى ان الكلمات المتقاطعة كما أسمع
أصبحت الكترونية.هيا يا صابر،اكتب اعلاناً بيع المزرعة.وابدأ حياة جديدة.هيا يا
بارع.
توالت الأيام،تهافت الكثر لشراء مزرعة صابر التي
ورثها من أبيه وأمه.وباعها بأغلى سعرتلقاه.كان المبلغ الذي يمتلكه كنز يقتنيه.وضب
امتعته ورحل الى المدينة بحنطوره المتبقي لديه.
امتطى حماره الى المدينة مرتدياً العصبة
والسروال.وما ان وطأت اقدامه انوار المدينة،لمعت عيناه الى السيارات
المارة،والاغاني الصاخبة،وروائح الطعام اللذيذ.كان الناس يحدقون نحو لباسه
مستغربين من حماره المدسوس بين المركبات:
يا عم ،لماذا تحدق بي هكذا؟وما
الغريب بوجود فلاٌح بمدينة؟
يا بني،حمارك هو الغريب.أتبيعه؟
حسناً.وما أفعله أيضاً؟
واكب أهل المدينة!
هذا ما اريده ولكن كيف؟دلني لو سمحت
بشرط
ماذا؟
حمارك بأرخص سعر.
اتفقنا
عش في ذاك الفندق الراقي،واشتر ثياباً أخرى،واشتري
هاتفاً وغير لهجتك وطريقة كلامك التي تتحدث بها.حتى اسمك صابر ليس عصري.وبهكذا
تتطور وتصبح مثلهم
اسمي!انه اسم جدي
ههه حسناً
وماذا بعد
عليك ان تشتري هاتفاً حديثاً وسيارة
فاخرة .
قد كانت تلك النصائح التي رماها العم لصابر أشبه
بضياعه.تغير صابر فصار اسمه جاد.وغير حماره بسيارة فارهة،حتى ان لهجته اختلطت
بالإنجليزية مع مرور الوقت.أصبح صابر منهمكاً بأصدقائه الجدد ودعوتهم المطاعم
باهظة.أوشكت نقوده على النفاد دون هدف سامي.
حل مساء الصيف،وجاد "صابر
سابقاً"يشعر بالضيق والكآبة.فصاحب الفندق أوعزه بالمغادرة،واصدقائه على وشك
نسيانه،حتى ان وقود سيارته أصبحت تحتضر:
وما الذي فعلته بنفسي؟أشعر بالضياع
والغربة.يا لها من سعادة زائفة.لا أملك المال الكافي لمجاباة الحياة هنا.لم أشتري
منزلاً او أتعلم حرفة .يا إلهي ساعدني.
انشغل صابر بالتفكير حازماً أمتعته تاركاً
ثيابه الحديثة ليرجع مرتدياً ثوب الفلاحة.باع سيارته ليشتري حماراً يسنده بشق
طريقه نحو القرية.
كان صابر يمشي بمشاعر لا تكاد ان توصف.نظر الى
السماء راجياً العودة الى تلك المدفأة القديمة مع كوب الشاي.لكن،لا شيء يعود كما
سبق.اعترض طريقه غراب اسود حاملاً بمنقاره ورقة مثل تلك المرة:
ياه!اشتقت للكلمات المتقاطعة.حسناً هيا يا جاد
اقصد صابر.عليك بحل تلك الكلمات..اممم.. حسناً ح..حديقة..ز..زراعة ..ياه فعلاً..الزراعة
هي الايمان بالغد.
قرر صابر العودة للعمل بالزراعة حتى يجني ما
اضاعه من تلك السنوات العابرة.تعلم ان قيمة الارض الموروثة كنز يفنى طالما أهمله.وأدرك
صابر أن من يتخلى عن أصله:نادمٌ محالة
اسم الكاتب :أسماء سليمان ابوغوش
الدولة:الأردن